هيثم الحمادي
عدد المساهمات : 61 تاريخ التسجيل : 26/01/2010 العمر : 42 الموقع : hitham_h2h@hotmail.com
| موضوع: المشكلة الاقتصادية الخميس ديسمبر 06, 2012 2:17 am | |
| .
المشكلة الاقتصادية
المبحث الأول: طبيعة وأبعاد المشكلة الاقتصادية
المطلب الأول : طبيعة المشكلة الاقتصادية تتمثل المشكلة الاقتصادية في أي مجتمع, مهما كان نظامه الاقتصادي أو السياسي , في كيفية توزيع الموارد النادرة بين الاستعمالات المختلفة , ذلك أن الموارد المتاحة في أي مجتمع لن تكفي باستمرار لتلبية واشباع الاحتياجات البشرية المتعددة, أي أنه يمكن تحليل عناصر المشكلة الاقتصادية الى ثلاثة عناصر أساسية : أولهما يتمثل في الندرة النسبية للموارد الاقتصادية والثاني يتمثل في تعدد الحاجات البشرية والعنصر الثالث يتمثل في الاختيار . وتتميز المشكلة الاقتصادية بصفة العمومية فهي تواجه الفرد كما تواجه الجماعة .بل هي تواجه كل المجتمعات سواء كانت متقدمة أو متخلفة... زراعية أم اقتصادية...رأسمالية أم اشتراكية. فالمشكلة لا تختلف في أسبابها و لا عناصرها من مجتمع لأخر , أما الذي يختلف فهو طريقة حلها .
المطلب الثاني: أسباب المشكلة الاقتصادية من الممكن حصر أسباب حدوث المشكلة الاقتصادية في ثلاثة أسباب رئيسة وهي: أ- الندرة النسبية للموارد الاقتصادية: ان سبب ظهور المشكلة الاقتصادية هو الندرة. فالإنسان عندما يشعر بالحاجة ويفتقد في الوقت نفسه وسيلة لإشباعها فانه سيعتقد أن سبب مشكلته هو الندرة الا أن ما يحتاجه من سلع وخدمات لا يأتي من العدم , بل الأمر يتطلب ضرورة توافر ومساهمة مجموعة من العوامل معا, هي عوامل الانتاج ,خلال عملية معينة هي عملية الانتاج وأن هذه العوامل هي التي أصلا نادرة. اذا تظهر المشكلة الاقتصادية أساسا نتيجة ندرة عوامل الانتاج سواء ما كان منها هبة من هبات الطبيعة أو نتاج عن جهود الانسان وغير خاف أن ما تهبه الطبيعة من خيرات ليس متاحا في كل مكان بالقدر اللازم ولا بالصورة المرغوبة. فنجد مجتمعات منحتها الطبيعة فيضا من المواد الأولية في الوقت الذي يعاني فيه من ندرة رأس المال أو العمل وكلاهما مطلوب لتجهيز المواد الاولية بحيث تصبح صالحة لإشباع رغبات الانسان. لذلك وجب على الانسان أن يبذل جهده وفكره في كل لحضه ولا بد عليه الانتظار حتى تؤتي جهوده ثمارها. ويعود عجز الموارد الاقتصادية عن اشباع جميع الحاجات الانسانية الى الأسباب التالية : - أن المورد الاقتصادي موجود ولكن قليل نسبيا بسبب عدم الاستغلال الأمثل لهذا المورد أو لسوء استغلال هذا المورد, وتمتاز كثير من الموارد الاقتصادية بقابليتها للنفاذ بسبب الاستخدام الجائر. - زيادة عدد السكان بنسبة أكبر من الزيادة في حجم الانتاج ,وبالتالي يؤدي هذا الى ندرة نسبية للموارد المستخدمة كوسيلة لإشباع الحاجات الانسانية. ب- كثرة الحاجات الانسانية وتعددها وتطورها وتزايدها: من المعروف أن للإنسان ومنذ بدء الخليقة مجموعة من الحاجات التي يهدف الى اشباعها ,وكلما أشبع حاجة تولد لديه حاجة أخرى بحاجة الى اشباع . وتعرف الحاجة الانسانية بأنها (الرغبة التي يسعى الانسان الى اشباعها).وتقسم هذه الحاجات الى نوعين: 1- الحاجات الأولية (الأساسية) وهي مجموع الرغبات الانسانية التي لا تحتمل التأجيل في اشباعها , والتي اذا أفنيت يفنى الانسان ورائها ,بمعنى أنها ضرورية لبقاء الانسان على قيد الحياة كحاجته الى الغذاء والماء والمسكن ...الخ. 2- الحاجات الثانوية (الكمالية): وهي مجموع الرغبات الانسانية التي تحتمل التأجيل في اشباعها , على اعتبار أنها لا ترتبط بأن يكون الانسان أو لا يكون على قيد الحياة. وتمتاز الحاجات الانسانية بمجموعة من الخصائص مثل: الحاجات الانسانية متزايدة ,وتتزايد هذه الحاجات مع تزايد المواليد. الحاجات الانسانية متطورة, وتتطور الحاجة مع التقدم الفني والتكنولوجي الذي يحدث على وسائل اشباع الحاجات . الحاجات الانسانية متكررة, وتتكرر الحاجة مع تكرار و تعاقب الأجيال , فحاجة أجدادنا للغداء هي نفس حاجاتنا له مع اختلاف نوع الغداء. الحاجات الانسانية متجددة, وتتجدد الحاجة مع الاكتشافات و الاختراعات الجديدة التي يقوم بها الانسان. ج- الاختيار اذا كانت الندرة هي سبب المشكلة التي يعيشها الانسان, فان الاختيار هو بالتأكيد السبب الذي يجعل منها مشكلة اقتصادية بالذات وليست تقنية. فالاختيار وهو عملية تنطوي على الرشد يتمثل في القيام بموازنة منفعية حرة بين بدائل ممكنة مختلفة , لاختيار أفضل بديل ممكن. وبالطبع لن تكون هناك فرصة للقيام بعملية الاختيار ما لم تكن رغبات وحاجات و تفضيلات الانسان متعددة وبهذا تكون المشكلة الاقتصادية بالفعل هي مشكلة اقتصادية فحاجات الانسان متعددة متجددة و متزايدة. وبالطبع لو اختفت الندرة لاختفت المشكلة... ولو لم تتعدد الحاجات لما كان هناك مجال للاختيار وبالتالي لما كانت المشكلة الاقتصادية بل تصبح مشكلة فنية تكنولوجية
المطلب الثالث: المشكلات الاقتصادية الاساسية يمكن حصر المشكلات الاقتصادية الاساسية بالأسئلة الاتية: المشكلة الأولى : ما السلع التي تنتج وما كميتها ؟ (ماذا تنتج)والسؤال يتعلق بالمثال السابق حول مشكلة الاختيار, وبمعنى اخر أنها مشكلة توزيع الموارد النادرة على الاستخدامات المختلفة, وتتطلب هذه المشكلة معرفة معايير تخصيص الموارد. وكما سبق القول فان جهاز الثمن يعد الاداة في توزيع الموارد بين الاستخدامات المختلفة في نظام المنافسة التامة. في حين توكل هذه المهمة الى الأجهزة التخطيطية في الاقتصادات الاشتراكية.
المشكلة الثانية : ما هي طرق انتاج هذه السلع ؟(كيف تنتج). يعكس هذا السؤال ان هناك أكثر من طريقة لإنتاج سلعة ما, فعلى سبيل المثال هل تنتج محصول القطن بتكثيف رأس المال في استخدام الماكنات والآلات الزراعية أم انتاج نفس كمية المحصول من خلال تكثيف العمل باستخدام الأيدي العاملة بالعمليات المزرعة المختلفة, وهذا يتوقف على ماهية العناصر التي تتصف بالندرة رأس مال أم العمل؟
المشكلة الثالثة :كيف يتم توزيع السلع والخدمات المنتجة على أفراد المجتمع؟ (لمن). ان توزيع الناتج القومي بين أفراد المجتمع يحظى باهتمام الاقتصاديين, وهذا الجانب من المشكلة متعلق بمدى تدخل الدولة في الحياة الاقتصادية في مجتمعات المنافسة التامة ونتائج هذا التدخل .وقد انعكس هذا التدخل في صورة الحد الأدنى للأجور أو ضريبة الدخل. وتتعلق هذه الجوانب بنظرية التوزيع.
المشكلة الرابعة : هل الموارد الاقتصادية للمجتمع موظفة بصورة كاملة أم أن بعضها عاطل ؟ ان عدم تشغيل بعض الموارد يؤدي الى ضياع الثروة على المجتمع ؟ وقد يبدوا ذلك غريبا بعض الشيء فكيف تكون الموارد نادرة وكذلك تتسم بعدم التشغيل ؟ ان احدى خصائص اقتصاديات السوق أن مثل هذا الضياع قد يحدث , ولهذا قد تسود في هذه الاقتصاديات بطالة في العمل وأن هناك عمالا يرغبون في العمل ولا يجدونه.
المشكلة الخامسة :ما مدى الكفاية في استخدام الموارد الاقتصادية؟ وهذا يعني هل الانتاج كاف ؟ وهل التوزيع كاف؟ وهي مسالة مرتبطة بإمكانية اعادة تلخيص الموارد للحصول على انتاج أكبر من سلعة معينة بالموارد السابق استخدامها دون التأثير في انتاج السلع الاخرى. كما أن الاجابة عن مشكلة التوزيع تشير : هل بالإمكان اعادة توزيع الانتاج الحالي بين أفراد المجتمع على نحو يؤدي الى زيادة رفاهيتهم أو تحسين رفاهية بعض الأفراد ودون الاضرار أو التأثير على مستوى رفاهية بقية الأفراد في المجتمع؟
المشكلة السادسة :هل القوة الشرائية للنقود ثابتة أو أنها تتسم بالتضخم؟ والمقصود بالتضخم الارتفاع المستمر في الاسعار وارتفاع الأسعار معناه انخفاض القوة الشرائية للنقود ,وأحد أسباب التضخم هو زيادة كمية النقود في الاقتصاد بمعدل أسرع من زيادة الناتج القومي.
المشكلة السابعة: هل يتزايد الانتاج القومي من السلع والخدمات أم أنه ثابت على مر الزمن؟ فالمقدرة الانتاجية تنمو بسرعة في بعض الدول الأخرى مما يترتب عليه زيادة الفجوة بين مستويات المعيشة بين المجموعتين من الدول. ويمكن القول أن المشكلات الاقتصادية قائمة في المجتمعات كافة الا أن سيادتها بصورة متفاوتة أو أن احداها أعمق في تأثيرها من الأخرى في الاقتصاد القومي, فالمجتمعات التي تعتمد على ألية السوق تركز على مشكلة ندرة الموارد الطبيعية في حين تركز المجتمعات الاشتراكية على شكل علاقات الانتاج ومشكلة التوزيع.
المطلب الرابع : الندرة والاختيار وتكلفة الفرصة البديلة تتميز الموارد الانتاجية بأن استخداماتها بديلة متعددة. فالأرض يمكن أن تستخدم في الزراعة أو في بناء المشروعات أو في تشييد المساكن. وحتى اذا قررنا استخدامها في الزراعة فاننا يمكن أن نزرعها قمحا أو شعيرا أو قطنا . وهكذا يمكن تصور وجود العديد من الاستخدامات البديلة (المتنافسة) لكل عنصر انتاجي .وتعرف عملية توزيع الموارد الانتاجية على استخداماتها المختلفة باسم مشكلة تخصيص الموارد . وحيث أن موارد الانتاج تتميز بصفة عامة بأنها نادرة ومحدودة فان أي مجتمع سوف يحاول دائما الوصول الى ذلك التخصيص الأمثل لموارده المحدودة .ونقصد بالتخصيص الأمثل للموارد ذلك الشكل أو النمط الذي تكون فيه الموارد الانتاجية الموظفة قد استخدمت بأفضل طريقة ممكنة تؤدي الى الحصول على أقصى قدر ممكن من الانتاج وبحيث أن أي نمط اخر خلافه لا بد أن يترتب عليه انخفاض حجم الناتج المتحصل عليه. غير أن ندرة الموارد لا تملي فقط ضرورة الاستخدام الكامل والأمثل لهذه الموارد, بل تؤدي الى ضرورة الاختياريين الرغبات المتعددة لأفراد المجتمع لتحديد ما يتعين انتاجه منها على ضوء القدر المحدود المتاح من الموارد. أي أن الندرة هي التي تولد الاختيار وعند القيام بعملية اختيار هدف أو أهداف معينة لا بد أن نضحي بهدف أو أهداف أخرى في مقابل ذلك. فدائما لا بد أن تحل شئ محل شيئ اخر طالما أن مواردنا نادرة ومستخدمة بالكامل. وبالطبع لا بد أن هناك عددا كبيرا من الاختيارات يتعين على المجتمع القيام بها عندما يقرر تخصيص موارده المتاحة النادرة لإنتاج ما يرغبه من طيبات الحياة. حيث تقترن التضحية بالاختبار والتضحية المترتبة على اختيار بديل معين تمثل في الحقيقة تكلفة هذا الاختيار. فعندما نريد معرفة التكلفة التي يتحملها المجتمع بصدد تنفيذ قرار معين, فأننا نحسبها بما يساوي ما ترتب عليه من التضحية بعدم تنفيذ قرار اخر. ان وجود قدر معين من الموارد الاقتصادية يعني وجود فرص لإنتاج كميات مختلفة من بعض السلع و الخدمات المختلفة ومن ثم فان تكلفة انتاج قدر معين من أحد المنتجات البديلة الممكنة تساوي أقصى قدر ممكن انتاجه من منتج أو منتجات أخرى باستخدام نفس القدر من الموارد و تعرف التكلفة المحتسبة باسم تكلفة الفرصة البديلة.
المطلب الخامس: منحنى امكانيات الانتاج يمكننا تفهم حقيقة المشكلة الاقتصادية وكيفية الاجابة على التساؤلات ماذا وكيف و لمن؟ من خلال ما يعرف بمنحنى امكانيات (حدود) الانتاج كما هو موضح بالشكل التالي:
السلعة (1) د 5 ج 4 ب 3 2 1 السلعة (2) أ 5 4 3 2 1 منحنى تكاليف الانتاج
ويعبر هذا المنحنى عن الحقيقة الاساسية الأتية: المجتمع الذي يوظف أو يشغل موارده تشغيلا كاملا لا بد أن يتنازل أو يضحي بإنتاج سلعة ما عندما يقرر القيام بإنتاج سلعة اخرى. وهذه الحقيقة تفترض أنه من يمكن تحويل الموارد من انتاج السلعة الاولى الى انتاج سلعة أخرى. ومنحنى امكانيات الانتاج يمثل ما هو متاحا للمجتمع للاختيار. وتمثل النقاط داخل المنحنى "على اليسار" حالة عدم اكتمال تشغيل موارد المجتمع بالكامل. وفي هذه الحالة " حالة تعطيل بعض موارد المجتمع الانتاجية" يمكن زيادة ما ينتجه هذا المجتمع عن طريق تشغيل هذه الموارد وبالتالي الانتقال على نقطة منحنى امكانيات الانتاج و هذا ما تهتم به نظرية التشغيل والتوظيف والدخل. أما الانتقال بمنحنى امكانية الانتاج الى وضع أعلى فيكون عن طريق تنمية الموارد بالقدر الذي يمكن المجتمع من انتاج أكبر في كلا النوعين سلعة (1) وسلعة (2) وهذا ما تهتم به نظرية النمو الاقتصادي. ويمكن تفهم حقيقة المشكلة الاقتصادية من الرسم السابق لمنحنى امكانيات الانتاج. فحقيقة ندرة الموارد تتضح من عدم القدرة على انتاج خارج المنحنى أ ب ج د كما يمكن تفهم مشكلة الاختيار من كون منحنى الامكانيات ينحدر من أعلى الى أسفل جهة اليمين وذا ميل سالب .أي ضرورة التضحية بانتاج سلعة على حساب انتاج سلعة أخرى.
المبحث الثاني :خصائص الرغبات الانسانية وأنواع السلع والثروة.
المطلب الأول :خصائص الرغبات الانسانية
أ- التعدد: ان الرغبات غير محدودة في عددها, ولا يعني ذلك أن الانسان ,بطبيعته, جشع, غير أنه ما من شك أن ثمة عددا لا نهائيا من الرغبات التي يمكن أن يستشعر الانسان بالميل الى اشباعها, وحتى عندما تتزايد طاقة الانسان على اشباع هذه الرغبات جميعها, فلا مناص من أن تثور في نفسه رغبات جديدة تتطلب أنواعا أخرى من الاشباع. قد تختلف الطاقة الإشباعية من فرد الى اخر, وقد يقف بعض الأفراد في أحوال استثنائية عند حد معين من الاشباع, ومع ذلك فلا جدال أن الغالبية من الأفراد تتطلع الى رغبات جديدة , كلما اشبعت رغبات سابقة.
ب- التنافس: ومن الواضح أن خاصية التنافس بين الرغبات هي النتيجة الطبيعية المباشرة للتحديد النسبي للموارد أو وسائل الاشباع, اذ تتنافس الرغبات فيما بين بعضها البعض حول الموارد المحدودة ذات الاستعمالات البديلة, فهي تتضارب وتتطاحن مع بعضها البعض , بحيث تجعلنا دائما تحت ضغط الحاجة الى الاختيار بين ما يمكن اشباعه وما نتخلى عن اشباعه .بيد أن هناك معنى اخر للتنافس بين الرغبات ,فقد يخلي بعضها السبيل لبعص الاخر.
ج- التلازم: كما نجد في الحياة العملية أن كثيرا من الرغبات يتماشى مع بعضه البعض, بمعنى اخر أن الواحدة تسوق الى الأخرى, أي أن اشباع رغبة ما لا يمكن أن يتحقق الا باشباع رغبة أخرى . فقد ترتبط الرغبات بعضها مع البعض الاخر ارتباطا وثيقا كالرغبة في الشاي والرغبة في السكر وهذا هو معنى كلمة التلازم أو التكامل بين الرغبات.
د- التكرار: كما نجد أيضا في الحياة العملية أن الرغبات التي نشعر بها تميل في معظمها الى التكرار, حتى بعد أن نشبعها مرة بعد أخرى. وهذه الخاصية واضحة تماما في الرغبات الأساسية, كالملبس أو المأكل. ومع ذلك فقد نلاحظ أن مستوى المعيشة يسمح أيضا بتكرار الرغبات الأكثر ترفا في طبيعتها حتى يصير اشباعها أمرا عاديا بالنسبة لمجموعة معينة من الأفراد وما من شك أن لهذه الصفة أهميتها في ايضاح نظرية الاستهلاك.
المطلب الثاني : أنواع السلع يمكن تقسيم السلع بوجه عام بطرق ثلاث, تشير الطريقتان الاولى والثانية منها الى الطبيعة المادية للسلع, أما الطريقة الثالثة فتشير الى العلاقة بين كميات السلع وبين الرغبات التي تشبعها .
أ- السلع الاستهلاكية والسلع الانتاجية : وتنطوي الطريقة الاولى على تقسيم السلع الى نوعين رئيسيين: سلع استهلاكية وسلع انتاجية .أما السلع الاستهلاكية فهي تلك السلع التي يمكن أن تشبع الرغبات الانسانية بطريقة مباشرة ومن أمثلة ذلك السيارة و الخبز والخدمات فهذه جميعها سلع (مادية أو لا مادية) موجهة للاستهلاك المباشر. أما السلع الانتاجية فهي تلك السلع التي تسهم بطريق غير مباشر في اشباع الرغبات حيث نجد مثلا أن تصنيع سلعة استهلاكية كالسيارة يحتاج الى توفر بعض السلع الانتاجية كالحديد والزجاج والمطاط. حيث أن السلع الانتاجية تسهم في انتاج السلع الاستهلاكية المعدة لأغراض الاستهلاك المباشر ومن هنا تتضح حقيقة أن الاستهلاك هو الهدف النهائي من جميع أوجه النشاط الاقتصادي للأفراد والجماعات.
ب-السلع الفانية والسلع المعمرة: أما التقسيم الثاني فيفرق بين السلع جميعها من حيث عدد المرات التي تستخدم فيها كل سلعة- سواء أكانت سلعة استهلاكية أم سلعة انتاجية- في اشباعها لرغبة انسانية معينة .اذ هناك بعض السلع التي تستنفد قدرتها على الاشباع بمجرد استعمالها مرة واحدة وتسمى هذه السلع عادة (بالسلع الفانية) ومن أمثلة ذلك مختلف أنواع الطعام. كما ثمة نوع اخر من السلع التي يمكن أن تحقق سلسلة متتابعة من الاشباع ولكنها اذ تحقق ذلك, تفقد قدرتها الاشباعية تدريجيا .ومن أمثلة ذلك المنازل , الملابس ..الخ , ويطلق عليها (السلع المعمرة) وأخيرا هناك نوع ثالث من السلع التي تنتج اشباعا يمتد الى أجيال عديدة دون أن تفقد قدرتها الاشباعية ومن أمثلة ذلك الأرض التي نتوارثها جيلا بعد جيل ويطلق على الأرض وما شاكلها من السلع بالسلع غير قابلة للفناء.
ج-السلع الحرة والسلع الاقتصادية: وتنطوي الطريقة الثالثة على تقسيم السلع الى نوعين رئيسيين: السلع الحرة والسلع الاقتصادية. السلع الحرة فهي السلع التي تتواجد بكميات غير محدودة بالنسبة للحاجة اليها, ولا يبذل الانسان في سبيل الحصول عليها أي جهد أو عناء, أو يخصص لانتاجها أي قدر من الموارد مثلا: كالهواء والماء في بعض الظروف. وهي حرة ,لأنها لا تتطلب الاختيار بين الموارد النادرة في سبيل انتاجها ,ولا تتطلب الاقتصاد في استهلاكها, و الحصول عليها لا يقتضي انفاق الموارد. أما السلع الاقتصادية فهي تلك السلع التي لا توجد الا بكميات محدودة بالنسبة لمدى الرغبة فيها, وهي تلك السلع التي لا مناص من تخصيص قدر معين من الموارد في سبيل انتاجها, وهي اقتصادية لأنها تنطوي على مشكلة الاختيار بين الاستعمالات البديلة للموارد النادرة ولأنها تتطلب الاقتصاد في استعمالها, وتحدد لها أثمان معينة في أسواقها الخاصة. كما تتسم هذه السلع بالندرة وبصفة المنفعة.
المطلب الثالث : أنواع الثروة يسوقنا الحديث عن السلع الى الحديث عن الثروة. اذ أن اصطلاح الثروة يحمل معنى الرصيد المخزون من السلع الاقتصادية الموجودة في وقت معين , سواء في حيازة الفرد أو الجماعة .ان الثروة اذن, تشمل كل السلع الاقتصادية, وتتسم بالندرة النسبية. وهناك أنواع ثلاثة للثروة: الثروة الفردية والثروة القومية والثروة العالمية.
أ- الثروة الفردية: تعرف بأنها رصيد السلع الاقتصادية التي يملكها الفرد في وقت معين , باستبعاد الخدمات, زائد الحقوق التي يملكها والديون المستحقة له على أفراد أخرين, ناقصا الديون المستحقة عليه للأفراد الاخريين. غير أن الفرد لا يستمد اشباعه الكلي من ثروته الخاصة فحسب, بل من الثروة القومية أيضا , وان لم تكن هذه جزءا من ملكيته الفردية.
ب- الثروة القومية: تعرف بأنها رصيد السلع الاقتصادية الموجودة في دولة معينة في وقت معين , باستبعاد الخدمات, زائد الديون المستحقة للدولة على الدول الأخرى, ناقصا الديون المستحقة للدول الأخرى على الدولة . وقد تسمى الثروة القومية, في بعض الأحيان, برأس المال القومي.
ج- الثروة العالمية : تعرف بأنها رصيد السلع الاقتصادية الموجودة في العالم بأسره, في وقت معين, باستبعاد الخدمات, واستبعاد جميع النقود الوطنية, وجميع الديون القائمة بين الدول.
المبحث الثالث :حل المشكلة الاقتصادية يتم حل المشكلة الاقتصادية في النظام الرأسمالي عن طريق ما يعرف ((بجهاز الثمن)), كما يتم حلها في النظام الاشتراكي عن طريق ((جهاز التخطيط))أما في النظم الاقتصادية المختلطة فيتم حلها جزئيا عن طريق جهاز الثمن وجزئيا عن طريق جهاز التخطيط.
المطلب الأول :حل المشكلة الاقتصادية وفق النظام الرأسمالي: بعد انهيار النظام الاقطاعي الذي ساد أوروبا في القرون الوسطى,وتزايد انتشار فكرة القومية,عرف العالم فكرة الدولة القومية كفلسفة سياسية,كان على الفكر الاقتصادي أن يقوم بتنظير فلسفة اقتصادية تتماشى مع ذات الفكر السياسي .وهكذا عرف العالم الرأسمالية أو النظام الرأسمالي. ويقوم النظام الرأسمالي على مجموعة من الدعامات هي : تدني دور الدولة : نادى أنصار الرأسمالية بتقييد دور الدولة وحصره في رعاية العدالة والأمن, أما النشاط الاقتصادي فيترك أمره للأفراد فهم خير من يقوم به.
الحرية: وهي تعتبر من أهم دعائم النظام الرأسمالي. فكل فرد حر في هذا النظام: حر في أن يتملك ما يشاء, وقتما شاء, وبأي قدر. حر في التعاقد والعمل في النشاط الذي يرغبه وبالشروط الذي يرضى عنها. حر في انشاء المشروعات الخاصة ,مهما كان حجمها أو شكلها القانوني أو مجال نشاطها. ونتيجة لهذه كان أحد الشعارات الرأسمالية المشهورة هو ( دعه يعمل دعه يمر ). الدافع الفردي : يهدف النظام الرأسمالي أصلا الى تحقيق مصلحة الفرد أولا, ومصلحة الجماعة أخيرا .حيث يسعى كل فرد نحو تحقيق مصلحته الخاصة بصرف النظر عن مصلحة الأخريين.فالمستهلك يريد الحصول على أقصى اشباع ممكن, والمنتج يهدف الى تحقيق أقصى ربح ممكن. ولذلك فان ما يحرك النظام الرأسمالي حقيقة ما هو الا الدافع الفردي خصوصا دافع الربح.
المنافسة الحرة : والمنافسة الحرة كما تخيلها منظروا الرأسمالية هي صورة مثالية لما يجب أن يكون عليه التعامل بين الغرماء في السوق ,وفي صورتها الصافية البريئة هي أمر مرغوب وان كان مستحيلا ففي الواقع وبصفة عامة نجد درجات متفاوتة من المنافسة المشوبة ببعض النزعات الاحتكارية والتي قد تصل الى حد المنافسة الدموية. في ظل هذه الدعامات يقوم النظام الرأسمالي ويحاول حل المشكلة الاقتصادية عن طريق ميكانيكية جهاز الثمن , ويقصد بجهاز الثمن تلك الحركات التلقائية للأثمان الناتجة عن تفاعل قوى السوق (قوى العرض والطلب). و يتم التعرف على (ماذا تنتج) عن طريق حركة أثمان السلع والخدمات الاستهلاكية , فالسلعة أو الخدمة الأكثر أهمية يزيد الطلب عليها.ومع بقاء العوامل الاخرى على حالها يرتفع ثمنها , الأمر الذي يغري المنتجين الى انتاج المزيد منها والعكس صحيح. كما يتم التوصل الى (كيف تنتج) عن طريق مقارنة أثمان السلع والخدمات الاستهلاكية(والتي تعكس ايرادات المنتجين) بأثمان السلع والخدمات الانتاجية (والتي تعكس تكاليف الانتاج). وبهذا يتم التعرف على معدلات الربحية لمختلف نواحي النشاط الانتاجي .وبالطبع سوف يتم تخصيص الموارد الانتاجية -النادرة- بين الاستخدامات - البديلة - الأكثر كفاءة - والتي سيتم تطبيقها في داخل كل قطاع أو مشروع. كذلك يقدم جهاز الثمن حلا لمشكلة توزيع الانتاج حيث يتحدد نصيب كل فرد من الناتج القومي بحجم القوة الشرائية المتاحة لديه والتي تتحدد بشكل أو باخر بحجم دخله. ويتحدد حجم الدخل بدوره بكمية ونوع ما يمتلكه الفرد من خدمات انتاجية من ناحية, وبسعر هذه الخدمات الانتاجية من ناحية اخرى وبالطبع من يمتلك خدمات انتاجية ذات سعر أعلى سوف-مع بقاء العوامل الأخرى على حالها- يزيد دخله فتزيد قوته الشرائية فتزيد نصيبه من الناتج القومي, والعكس صحيح. أما بالنسبة لضمان الاستمرار, أي ضمان النمو الاقتصادي ,فان جهاز الثمن يلعب أيضا دورا في هذا الصدد. فالنمو الاقتصادي يتطلب ضرورة وجود جبهة عريضة من الاستثمارات تقود عملية التقدم الاقتصادي. غير أن هذه الاستثمارات تحتاج بدورها الى رصيد ضخم من رأسمال لتمويلها وتنفيذها. وقد يمكن الحصول على رأس المال هذا جزئيا من الداخل, وجزئيا من العالم الخارجي. غير أنه مهما كان حجم المساعدات الخارجية فانها في النهاية محدودة .وبذلك ليس هناك مفر من أن تعتمد الدولة على امكاناتها الذاتية. وهذا يعني ضرورة أن تبحث الدولة بكافة الطرق عن مصادر تمويل داخلية جديدة. وهنا يمكن أن يلعب جهاز الثمن دورا في محاولة تعبئة المدخرات المحلية وزيادتها, عن طريق رفع سعر الفائدة الى الحد الذي تستجيب له طاقة الادخار المحلي.
المطلب الثاني : حل المشكلة الاقتصادية وفق النظام الاشتراكي يقوم النظام الاشتراكي على فلسفة اجتماعية هدفها الأساسي هو المصلحة العامة وليس المصلحة الخاصة, حيث تسود هذا النظام مجموعة من المبادئ تتماشى مع فلسفته الجماعية الأساسية. فعوامل الانتاج مملوكة بالكامل- أو تكاد- للدولة كما أن الملكية الخاصة محصورة في أضيق نطاق ولا تكاد تتعدى الأشياء الجد شخصية. كذلك فالدولة هي التي تقوم بحصر الموارد الاقتصادية وتعبئتها وتوجيهها نحو الاستخدامات المختلفة المرغوبة فضلا عن عملية تنميتها .انها ببساطة تقوم بحل كل عناصر المشكلة الاقتصادية, عن طريق ما يعرف باسم جهاز التخطيط. وقد يأخذ جهاز التخطيط في الواقع العملي شكل هيئة أو لجنة أو وزارة أو خليط من هذه الأشكال معا. ويقوم جهاز التخطيط بدراسات وأبحاث مستفيضة مسبقة قبل أن يقدم على اقتراح السياسات التي تصدر بها بعد ذلك قرارات مركزية للتنفيذ. ان جهاز التخطيط هو الذي يحدد نوعيا وكميا تلك السلع. والخدمات المزمع انتاجها في الفترة التالية لاشباع رغبات المستهلكين. كما انه يقوم بتنظيم عملية الانتاج من حيث تعبئة الموارد الاقتصادية اللازمة لترجمة رغبات أفراد المجتمع الى سلع وخدمات متاحة.وكذلك من حيث توزيع وتخصيص هذه الموارد على مختلف استخداماتها البديلة. فضلا عن أنه يقوم بتحديد الأجور والمكافات التي يحصل عليها العاملون في مختلف المجالات. وأخيرا يقوم جهاز التخطيط برسم السياسات والخطط الانمائية سواء طويلة الأجل أو متوسطة الأجل أو قصيرة الأجل والتي تهدف كلها الى ضمان النمو الاقتصادي للمجتمع. كما أن هذا النظام يهدف الى تحقيق مجتمع (الكفاية والعدل).الكفاية بمعنى حسن استغلال الموارد الاقتصادية النادرة المتاحة. والعدل بمعنى عدالة توزيع الدخول والثروات في المجتمع بين مختلف أفراده.
الخاتمة نشير في الأخير كخلاصة أن أي وضع اقتصادي يتميز بالخصائص الاتية: أولا: ندرة الموارد بالنسبة للرغبات كشرط أساسي لقيام أي مشكلة اقتصادية. ثانيا: الاستعمالات البديلة لكل مورد . ثالثا: تعذر حل المشكلة الاقتصادية الا بالاختيار بين الرغبات العديدة المتنافسة. رابعا:ارتباط حل المشكلة الاقتصادية ارتباطا وثيقا بطرق الافراد في كسب مواردهم باعتبارها الخطوة الضرورية في عملية اشباع الرغبات. ومن هنا يمكن القول أن المشكلة الاقتصادية ستضل لصيقة بالانسان يحاول حلها ما استطاع الى ذلك سبيلا و لكن بينه وبين أن نختفي تماما أمدا بعيدا ولذلك سيظل علم الاقتصاد وهو قرين وجودها له صفة الديمومة التي تجعله بحق ,درة العلوم الاجتماعية جمعاء.
المراجع 1) الدكتور عبد النعيم محمد مبارك :مبادئ علم الاقتصاد,الدار الجامعية,الطبعة الأولى ,الاسكندرية,مصر,1997 .
2) الدكتورحسين عمر:مبادئ علم الاقتصادالمشكلة الاقتصادية والسلوك الرشيد تحليل جزئي وكلي , دار الفكر العربي, الطبعة السابعة , القاهرة,مصر ,1989 .
3) الدكتور سالم توفيق النجفي : أساسيات علم الاقتصاد ,الدار الدولية للاستثمارات ,الطبعة الأولى ,القاهرة , مصر,2000 . 4) الدكتورمحمد عطا الله ود.هند مشعل عودة : الأساس في الاقتصاد الكلي والجزئي.
أخوكم : أ/ هيثم عبدالله الحمادي .
| |
|